الخميس، 20 مارس 2014

مشهد مخيم اليرموك الدمشقي المحاصر... بين الحقيقة والوهم والمجهول المدخل: يعتبر... تنسيقية حي التضامن في دمشق

‫مشهد مخيم اليرموك الدمشقي المحاصر... بين الحقيقة والوهم والمجهول



المدخل: يعتبر مخيم اليرموك الدمشقي رمزا من رموز الشتات الفلسطيني البارزة، كما يعتبر ضميرا في قضايا المواجهة مع الصهاينة من خلال المخزون الشبابي البشري الذي يمتلكه والذي قدّم الشهداء في معركة الأمة مع المشروع الصهيوني عبر محطات عديدة، واليوم يرتفع صوت المخيم من خلال أهله الجياع الذين لم يعيشوا طوال تجربتهم الطويلة ما يعيشونه اليوم من أعلى درجات المحق والتجويع والتنكيل.

وهذا ما يطرح عدة أسئلة حول الموضوع:

1-لماذا مخيم اليرموك؟

2- ما الذي جرى ويجري حقيقة حول المخيم وبداخله ؟

3- ما هو دور الفصائل الفلسطينية وسلطة رام الله ؟

4- ما الذي يريده النظام السوري من المخيم وأهله ؟

5- ما هو الحقيقي وما هو الموهوم حوله ؟

6- إلى أين يتجه مستقبل المخيم وأهله ؟



1- لماذا مخيم اليرموك ؟

يعتبر الفلسطينيون المقيمون في سوريا جزءا من النسيج الطبيعي للشعب السوري ، ويأتي هذا من خلال حقائق ومعطيات قائمة ، فالفلسطينيون والسوريون هم أبناء منطقة الشام المباركة المتصلة الجغرافيا والتاريخ والأعراق ، كما تعتبر السبعة عقود التي أمضاها الفلسطينيون اللاجئون في سوريا بعد النكبة الكبرى عام 48 في فلسطين التاريخية فترة طويلة تتجاوز عمر الجيلين الذين نشآ على أرضها وتلونا بكامل تفاصيلها وتفاعلا مع جزئيات واقعها في جوانبه الايجابية والسلبية ، كما يعتبر التقاطع الثقافي الكبير حتى في جوانب الفلكلور سببا متقدما في جعل الانسجام أمرا طبيعيا أفرز حالة تلقائية من التصاهر والاختلاط والتعامل والتبادل بلا توقف ولا محاذير ، يضاف إلى هذا حالة الثقافة المنتشرة نسبيا عند الفلسطينيين والتي منحتهم فرصا أكبر في الاندماج والإدارة في أهم مفاصل الحياة في سوريا لا سيما التعليم والطب والأعمار والتجارة .

لذلك يشهد الفلسطينيون أنفسهم بأنهم لم ينعموا بحالة من الراحة النسبية والأمان والاندماج كما تحققت في حضن الشعب السوري الذي عرف - ولا يزال - باحتضانه للغريب وفتح أبوابه لكل طارق ونجدته للملهوف وشواهد الحروب والنزوح لا تخفى على أحد وهي كثيرة ومتكررة في الماضي والحاضر.

وبكلمة نستطيع القول أن كلمة التفريق بين الفلسطيني والسوري ليس لها وجود واقعي وهو ما جعل الفلسطيني شريكا طبيعيا في الواقع السوري بتفاصيله ، بل لا نستطيع أن نجد جدارا عازلا في أي جانب من جوانب الحياة بينهما .

ومخيم اليرموك الذي يضم أكبر عدد من الفلسطينيين المقيمين بسوريا ، وهو الأكثر فاعلية على مستوى مخيمات الشتات ، والأبرز في الفعاليات الإسلامية والوطنية على مستوى سوريا ولبنان والأردن ، كما يضم عددا لا بأس به من المقاتلين الفلسطينيين الذين تشكلت لديهم خبرات متقدمة عبر سنوات الصراع مع الكيان الصهيوني ، وإذا أردنا أن نذكر عددا تقريبا لسكان المخيم من الفلسطينيين والسوريين نستطيع القول أن عدد ساكنيه من السوريين مثلي عدد الفلسطينيين بل يزيد عن الثلثين وبالجملة فان تعداد ساكنيه يفوق المليون شخص .

وقد قامت الثورة السورية في آذار 2011 في درعا وبدأت تمتد فانتقلت إلى حمص التي رفعت السقف الثوري ثم الساحل السوري والشرق والشمال السوريين وهكذا حتى غطت مساحة البلاد ، وقد كان تفاعل مخيم اليرموك طبيعيا في إيقاعه مع محيطه الدمشقي ، فالجغرافيا واحدة ومتصلة ، والعائلات متداخلة ، والأرضية الثورية مشتركة بكل ما يحويها من عذابات وظلم وقهر مارسه النظام على الجميع بلا تمييز وسجون النظام في كل الحقب تشهد على هذا وكان آخرها سجون صيدينايا الشهيرة التي امتلأت بالمئات من الفلسطينيين الذين يرتبطون بجهود إسلامية في الساحة السورية أو العائدون من العراق بعدما قاموا بجهد مشترك مع إخوانهم السوريين في مواجهة الاحتلال الأمريكي عام 2003 .

وقد أدرك النظام مبكرا خطورة المخيم بسبب مخزونه الشبابي الثائر بطبيعته والتواق إلى حريته ، والمتفاعل مع واقعه وأمته ونسيجه ، كما شكل موقع المخيم الجغرافي اللصيق والمتداخل مع دمشق العاصمة من جنوبها نقطة خطر متقدم ومتوقع ، ولهذا فقد خطط النظام بشكل مبكر إلى عزله عن سياق التفاعل الطبيعي القائم فيه فنقل جزءا من شبابه إلى الحدود مع الكيان الصهيوني بتاريخ 5-6-2011 محاولا خلق أجواء من التفاعل مع الشهداء والاستشهاد في سبيل فلسطين ليمنع أو يحدّ من التفاعل التلقائي في مسيرة الثورة السورية ، وبدأت حينها الحوارات العلنية في كامل الوسط الفلسطيني بين من يدعو إلى عدم التدخل في الشأن السوري ومن يركز على ضرورة الالتفات الحصري لقضية فلسطين والقدس وبين من يدعو إلى شكل التفاعل الكامل مع الثورة السورية.

وقد كان سياق الثورة السورية أقوى بكثير من خطط النظام ومحاولات أزلامه في حرف واجب الوقت فتشكلت حالة مدّ بدأت كل يوم تتسع في النطاق الفلسطيني وربما زادت عن كثير من أشكال التفاعل المحدود في بعض الجهات في سورية مما دفع النظام إلى خطّة متقدمة وهي استخدام طرف فلسطيني ليضع العصا في العجلة ، فوقع اختياره على ابن المؤسسة الأمنية العسكرية وهو احمد جبريل والقيادة العامة التي توصف بأنها جزء أصيل من بنية جهاز الأمن العسكري في سوريا .

بدأت صورة التفاعل بين المخيم وأهله من جهة والواقع الثوري اللصيق والمحيط بالمخيم من جهة أخرى تتقدم كل يوم رغم كل أشكال المخاطر التي صاحبها قتل واختطاف وتعذيب واختفاء وتهديد لعدد كبير من شباب المخيم ، وقد أخذت شكلا متقدما في الاحتضان بعد دخول منطقة التضامن المجاورة للمخيم في حالة ثورية كاملة ، كما برز حينها قوة الحاضن الفلسطيني في المخيم على احتضان تلقائي للحالة الثورية والانسجام والتفاعل معها والتي كان أبرز مظاهرها احتضان وحماية ورعاية وإطعام كافة العائلات التي نزحت من منطقة التضامن إلى مخيم اليرموك ومخيم فلسطين ، وشاهد الناس آنذاك الفرشات واللحف والغذاء وأحيانا المال وهو يتطاير من شبابيك ديار المخيم على العائلات النازحة إليه .

ومع انتقال أشكال التفاعل الثوري في المناطق المحيطة بالمخيم كالحجر الأسود والعروبة والعسالي وحي القدم والمآذنية والسبينة وحجيرة والست زينب والبويضة ويلدا وببيلا وبيت سحم والذيابية والحسينية بات مخيم اليرموك - المدخل الطبيعي لدمشق من الجهة الجنوبية - يشكّل رئة حقيقية للثورة في المنطقة الجنوبية من دمشق ، وأصبح مركزا لعلاج الثوّار فهو يحوي آلافا من الأطباء ، كما باتت مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني مرغمة بسبب ضغط الناس على استقبال جرحى الثوّار رغم كل تهديدات النظام واعتداءاته ، كما شكّل مخيم اليرموك نقطة العبور الآمنة للثوّار السوريين واحتياجاتهم وتأمين اللقاءات المركزية لهم في وسط الحاضنة الفلسطينية التي لا يمكن للنظام استهدافها بشكل فجائي والنيل من الثوار بسبب الوسط الفلسطيني وخلاياه الثورية الفاعلة التي شكلت شرايين حياة ونقاط أمان للثوار والعابرين نحو مناطق الجنوب الثائر .

لم يرق هذا الحال للنظام بل أثار غضبه وقلقه فقرر تفعيل أجهزته الأمنية بالكامل في تلك المنطقة وبدا بإجراء الدراسات الأمنية واستدعاء الشخصيات والتهديد والوعيد والإيذاء ، كما أمر وليده القيادة العامة بخلق أجواء مناسبة لتوزيع السلاح على شخصيات من المرتزقة مقابل معاشات شهرية تراوحت من خمسة آلاف ليرة إلى 25ألف ليرة سورية وقد أخذت تلك المجموعات دورها في مواجهة الثوار تحت عنوان حماية المخيمات الفلسطينية .

وقد نشر النظام تحت الرعاية والوصاية الكاملة لفرع الأمن العسكري مراكز ونقاط لمرتزقة القيادة العامة - أحمد جبريل وجلب عددا منهم من لبنان ليمنع التواصل الطبيعي بين المرتزقة والأهالي ، وقد قام بالفعل هذا الجسد بإيذاء الحالة الثورية وإرباكها وتعطيلها مما أثار مشاعر من الكراهية لم تكن قائمة من قبل بين بعض الثوار وساكني المخيم ، كما حاول أحمد جبريل وزبانيته استدراج بعض العائلات للمواجهة مع عائلات أخرى أو لتشكّل جدارا يحول دون امتداد الحالة الثورة داخل المخيم .

ورغم كل الدّور الذي قام به أحمد جبريل وقواته إلا انه لم يستطع أن يبتلع المخيم الرافض له بالأصل والذي لفظه عديد المرات باعتباره جزءا من مؤسسة النظام الأمنية منذ نشأته وبلورة قوامه ، فقام النظام باستهداف مخيمي فلسطين واليرموك المتلاصقين بالقذائف بشكل شبه يومي والتي باتت تقتل صغارا وكبارا نساء ورجالا من العائلات الفلسطينية وتحديدا في المناطق ذات الكثافة السكانية ، وقد كان موقف الأهالي هو دفن شهداءهم والإصرار على البقاء في مناطقهم وعدم الخروج من المخيم وترك بيوتهم رغم مخاطر القصف .

أدرك النظام أن خروج الفلسطينيين والسوريين الذين يشكلون رئة في بيئة المخيم للثورة في المناطق المحيطة ليس سهلا ولا مستساغا في المناخ الغالب فقرر رفع سقف التهديد بعد فشل خطة القذائف المتلاحقة وما تحققه من موت في تلك المناطق الكثيفة ، فأمر طائراته بالتحليق فوق المخيم وقصفه وبدأت موجات من تحليق طائرات الهيلكوبتر حتى توّجت بقصف مباشر من الطيران لعمق المخيم القديم وتحديدا على مسجده العريق جامع عبد القادر الحسيني ليكره الناس على الخروج بعد فشل كل محاولاته .

2- ما الذي جرى ويجري حقيقة حول المخيم وفي داخله ؟

أصبحت الحالة الثورية في محيط المخيم واقعا لا يمكن تجاهله وقد اشتدت في منطقتي التداخل مع المخيم وهما الحجر الأسود والتضامن ، وبدأت على إثرها أشكال التفاعل ترتفع بالذات أن المناطق المجاورة جميعها بلا استثناء تضم عائلات فلسطينية متداخلة مع العائلات السورية وبكثافة واضحة ، ولم تنشأ حالة ثورية في المناطق المحيطة إلا وضمت بين صفوفها فلسطينيين سواء من الجند أم من القيادات ، ثم بدأت تتسع حالات القتال بين النظام والثوار على أطراف ومحيط المخيم ، وعلى إثرها بدأت الوفود الشعبية الفلسطينية غير المعلنة تذهب في زيارات مكوكية إلى داخل خطوط المناطق التي خرجت من أيدي النظام وتم الوصول إلى اتفاق غير معلن على تحييد المخيمات الفلسطينية بل والحفاظ عليها باعتبارها حاضنا ثوريا ومأوى معظم العائلات المهجرة وهي بلا شك تضم أغلب عائلات الثوار وذويهم .

لم يرق هذا الحال للنظام بالذات أنه يتتبع كل التحركات من خلال أعينه المنتشرة فعزم على تفكيك هذا الواقع الذي ارتسم بصورة واقعية مفادها أن الحالة الثورية في كامل المناطق الجنوبية ستبقى قابلة للحياة لطالما بقي الوضع كما هو قائم في رئتها وشريانها وهو المخيم وتحديدا مخيم اليرموك الدمشقي والذي أدرك الجميع ضرورة الحفاظ عليه ؟

المخيم بين دهاء الشياطين وتنسيق المجرمين !!!

ذكرنا سالفا أن النظام بدا بإلقاء قذائفه على المخيم وتحديدا في أوقات التزاحم ، بل وبرع في إلقاء قذيفة ثانية تعقب كل قذيفة عندما يجتمع الناس لإنقاذ الشهداء والجرحى ، وبدأت تكثر دور العزاء في المخيم وتلتهب مشاعر الناس غضبا من جراء ما يجري ، وقد تفنن النظام في إعلامه بنقل عذابات الفلسطينيين الذين قتلوا نتيجة الإرهاب - على حد روايته - ، فيما أكملت القيادة العامة - احمد جبريل النصف الثاني للرواية من خلال إعلام النظام باعتبارها الصوت الفلسطيني ، كما برع أزلامها في اليرموك بالتواجد في مكان سقوط القذائف لمصادرتها فورا لمنع الناس من معاينتها وعادة ما تذكر عصاباته أنها تمت معاينتها وهي دوما من صنع محلي في إشارة للثوار لتهييج الناس ضدهم وفض الحاضنة عنهم .

وقد أحدث هذا المناخ شروخا حقيقية في المخيم وبين عائلاته في الموقف اللازم اتخاذه بالذات بعدما أصبحت كثير من العائلات ثكلى بشهدائها وكثير منها مهددة باستقبال القذائف في حاراتها وزقاقها ، وبدأت أشكال من التصادم الفلسطيني المحدود ، ولكن المزاج الغالب كان يعبر عن غضبه من النظام ومن ارتبط به وكان أبرز أحداثه عندما هب الشباب الفلسطيني في اليرموك واحرق مقر القيادة العامة - احمد جبريل الذي نجح في الفرار من المقر الرسمي له بعد ساعات طوال من الحصار وتدخل فرقة أمنية خاصة لإنقاذه من بين أيدي المهاجمين الذين أعلنوا أنهم يريدون رأسه ودمه بالذات بعدما أرسل أبناء المخيم وشبابه الصغير ليموتوا ويقتلوا بدم بارد في المناطق السورية المحتلة في مسرحية العودة المعروفة والمعتادة في نظام الممانعة وكان ذلك بتاريخ 5-6-2012.

وأصبحت شعارات الوعيد والتهديد والانتقام التي توجه للنظام وأزلامه علنية في المخيم وما فتئت تخرج المظاهرات من حي إلى حي آخر حتى غلب بشكل واضح في أرجاء المخيم العامة أن خيار الثورة هو الأصح والأحق والأبقى ، وأدى ذلك إلى ارتدادات مسّت الفصائل الفلسطينية جميعها فكانت جميعها متفقة ضمنيا على أنها لن تقف مع النظام ولن تساند الثوار بل ستبقى على الحياد وهذا ما لم يقبله النظام بالكلية ، بالذات انه يعتبرها تابعة له ومسيّرة بأمره ، وكان أبرز موقف في التعبير عن هذا الموقف هو موقف حركة حماس التي عبرت عن تمنيها كل الخير للشعب السوري وانه لا يمكن لها أن تقف في مواجهة تطلعات الشعب كما أنها تتمنى الخير للبلد ومؤسساته .

بات كبد النّظام السوري ممتلئا بالسمّ والغيظ فقرر تحطيم تلك المعادلة باعتباره لن يقبل من الفلسطينيين الحياد بل يجب عليهم أن يكونوا ازلاما له ، وبدأت التصريحات الإعلامية اللئيمة التي تشتم الشخصيات الوطنية والإسلامية الفلسطينية التي لم تعبر عن موقف متضامن مع النظام وتبرز في آن واحد الشخصيات الرخيصة من أمثال أنور رجا من القيادة العامة أو بعض الشخصيات المشبوهة ماليا وامنيا وأخلاقيا من أمثال ياسر قشلق الذي لا يعرفه معظم الفلسطينيون ولم يظهر إلا في السنوات الأخيرة في سوريا بعدما رجع بثروة هائلة ومشبوهة والتي استخدمها ببراعة في اختراق الأجهزة الأمنية لصالح شخصه ومشروعه الشخصي .

مرتكزات الخطة الثلاثية ...

قام النظام السوري برسم خطة ذات ثلاث محاور أساسية لضرب المعادلة التي كرسها مخيم اليرموك وساكنيه ، والمحاور هي :

أولا : دور القيادة العامة - احمد جبريل ، بحيث يتقدم في استفزاز الحالة الثورية في محيط مخيمي اليرموك وفلسطين ، ويحدث القتل في أبنائها وقد فعل ، كما يقوم بنشر السلاح من خلال عنصري الترغيب والترهيب - وكذلك الدعايات الإعلامية- في بعض الأوساط الشبابية حيث قام بتوزيعه على قطعان من الهمج واللصوص والشبيحة والمتعاطين وتحديدا خريجي السجون الجنائية ، كما حاول الضغط بالترهيب على بقية الفصائل الفلسطينية لتقترب أكثر من النظام ومعادلاته السياسية مستخدما في ذلك عصا النظام وإمكانيات إيران .

ثانيا : الاختراق الدقيق والعميق في الحالات الثورية المحيطة لتفعيل حالة الصراع بين الفلسطيني والسوري من منطلق وطني وعرقي وجغرافي ، ورفع سقف الاقتتال الذي يصيب الناس في دمائهم ويغيب العقول ، كما بث الشائعات التي تربك المشهد وتعطل دور الراشدين في الحالتين والواعين بالمخطط الذي تشرف عليه مؤسسة النظام الأمنية .

ثالثا : استهداف حياة الناس وعامتهم من خلال القذائف التي بات تسقط يوميا لتقتل الناس في مناطق مزدحمة على نحو لم تشهده المدن السورية .

حانت ساعة الصفر وجاء دور الطائرة

كانت ساعة الصفر في تنفيذ المخطط بضرب المعادلة الدمشقية الخطرة من خلال عقدة مخيم اليرموك بين قلب العاصمة وكامل الجنوب الثائر تقضي بإفراغ المخيم من ساكنيه قسرا ، وبعدما فشلت كل المحاولات كان لا بد من دور الطائرة التي فاجأت الجميع بلا سبب على الأرض يوجب غارتها ونفذتها على أرض المخيم وفي وسطه واستهدفت مسجد عبد القادر الحسيني الذي هدمت أجزاء منه وهدمت البنايات المحيطة به كما قتل وجرح كثير الناس والمصلون بالعشرات بداخله وخارجه بتاريخ 16-12-2012.

عندها بدأت حركة النزوح الفوري بعدما أدرك الناس تغير قواعد اللعبة واختلاف النّظر للأمور بناء على معاينة الحقيقة ، فقد كان البعض منهم يشك بان القذائف تأتي من قبل الثوار ولكنهم بعد غارة الطائرة تيقنوا جميعا بأنه النظام وأدركوا حجم الخطر باعتبارهم جميعا يعرفون وحشية النظام من خلال عقود من العذابات والاعتقالات التي عاشوها ولم تفلت منها أي عائلة بالمخيمات الفلسطينية .

وما لبث الأمر حتى اقتحمت كتائب الجيش الحر منطقة المخيم لتطهيره من أزلام احمد جبريل الذين فاجؤوا الجميع بانسحاب فوري وكامل خلال ساعة إلى خارج المخيم ، وسقطت أكذوبة حماية المخيمات في ساعة وتبين للراشدين أنها ترتيبات النظام وخطة الشيطان وليكتمل الخروج الرهيب لساكيني المخيم خلال يومين في مشهد نزوح لما يقارب المليون شخص .

أصيبت كتائب الجيش الحر بالمخيم بالمفاجأة من انسحاب وفرار أزلام النظام وبدأت تتجول في أزقتها على غير هدى هل تنسحب أم تبقى بعد أن طهرت المكان من رجس أعوان النظام ، ولكن أحدا لم يعد واحدا لم يحاول الاقتحام ، بل تمترس النظام على بداية مخيم اليرموك وتحديدا عند منطقة الجسر - البطيخة - ليعلن أن منطقة اليرموك منطقة عسكرية سقطت بأيدي المسلحين بادئا برواياته المعتادة عن وجود الأفغان ...الخ

غابت الحياة عن المخيم في الأيام الأولى حتى بدا كمدينة أشباح فارغ الأزقة وبدأت كتائب الجيش الحر تفكر بأخذ مواقعها باعتبارها منطقة عسكرية فارغة لم يعد إليها سكانها ومن بقي فيها لا يشكلون إلا نسبة قليلة ولا يمكن تركها ساحة فارغة للنظام .

اختراق واعتداء

بدأت حالات الاعتداء وبناء على الاختراق الأمني الكبير الذي تبين حجمه باضطراد في كل يوم يتقدم للأمام وينبئ عن شخص جبان يعمل كعين للنظام في داخل كتيبة فلان أو علاّن ، وبدأت حالات تنتشر من الاختطاف أو الاعتداء أو القتل أو سرقة البيوت حتى بات لزاما على من يتواجد بالمخيم أن يعلن شيئا ولو يسيرا من الولاء ، كما أصبحت مئات القذائف تتساقط بشكلها الهستيري على المخيم وساكنيه بلا معيار ولا ميزان ، ونصبت حواجز النظام لتدقق في كل داخل وخارج منه واليه في مشهد مخيف من طوابير الإذلال ، وقد ربط النظام معادلة الغذاء بالمرور من الحواجز التي يقف عليها ليكشف كل خارج هويته فينال منه أو يدسّ بين الناس الداخلين بعضا من أذنابه اللئام .

وانتهى الحال إلى تعامل مع المدنيين والعجز والنساء والأطفال كأنهم جزء لا يتجزأ من منظومة الجيش الحر باعتبارهم باقون على الأرض ومصرون على العيش في المخيم والتعامل مع واقعه الجديد وقبول الحالة الثورية بل ومساندتها واحتضانها في حدود مقبولة بعد التحام الدم والتشارك في صعوبات وآلام واقع المنطقة وظروف الحياة من نقص غذاء ودواء وانقطاع كهرباء وانعدام المواصلات .

مولود جديد من نطفة المخيم

بدأ شباب المخيم بالتجمع حول بعضهم البعض في محاولة لتشكيل حالة ثورية متكاملة في داخله وأصيلة من بنيته ، وبالفعل تشكلت مجموعات عدة بأسماء عديدة عكست واقع المخيم بإسلامييه ووطنييه وبدأت بالتفاعل مع كتائب الجيش الحر بشكل كامل بل أبدت تفوقا بارزا في المعادلة العسكرية بحكم الخبرات العسكرية ومعرفة تفاصيل الجغرافيا .

لم يرق هذا التفاعل وصورته التي بدأت تتبلور للنظام فبدا بتحريك أذنابه وذئابه التي اخترقت كتائب الجيش الحر حتى شكّلت أجساما مستقلة ، ودرجت في أشكال الاعتداء على الفلسطينيين من منطلق قومي ووطني ثم انتقلت إلى الاعتداء بالاقتتال المباشر مع تلك الكتائب الفلسطينية التي اضطرت إلى الاندماج بأجساد عسكرية كبيرة في الجنوب الدمشقي لتحمي نفسها من الاعتداء الذي استهدف إزالتها بالكلية عن محاور القتال المتقدمة مع النظام ، وقد انتشرت قصص إذلال وعذابات الناس المدنيين الداخلين إلى المخيم على أيدي تلك الكتائب المخترقة للحالة الثورية حتى بدا مناخ الناس العام يتأثر سلبيا بقيمة الثوار بالمخيم نتيجة للاعتداء الذي تمركز في عنق المخيم - ساحة الريجة - وصارت رحلة الدخول تكلف اذلالين أولاهما في مدخل المخيم على يد النظام وثانيهما في عنق مدخل المخيم عند بعض كتائب الجيش الحر من أزلام النظام التي هيمنت على المكان .

بدأت شهور تتوالى من عذابات الناس الداخلين والخارجين إلى مخيم اليرموك بين استهداف النظام وإرباك الثوار ، كما بدأت تتزايد حالات الفاقة جراء الحصار ، كما شهد مخيم اليرموك حالات مستشرية من السرقة ونهب المنازل بعضها على أيدي لصوص النظام وبعضها على أيدي الكتائب المنحطة المتواجدة بين الثوار .

أدّت حالات الاعتداء بين الثوّار أنفسهم من جهة ومن جهة أخرى حالات الاستهداف غير المبرر من بعض الكتائب الثورية التابعة للنظام لعموم الناس وخصوص الثوّار في مخيم اليرموك إلى تصاعد التوتر الذي انتهى إلى توافق عدة حالات ثورية من بينها الحالة الثورية الأصيلة في المخيم إلى اكتساح المخيم وكنسه وطرد الحالات المشبوهة إلى خارجه ، وهو ما لقي حالة من الفرح عند عموم الناس في المخيم والتضامن وبعض المناطق .

كان من الطبيعي أن تتحسن أوضاع المخيم بعد ذلك نتيجة لاستبعاد أذى المرتزقة والمشبوهين الذي استطاعوا اختراق الحالة الثورية وشكلوا جسدا يقوده الزعران ، وبدت إدارة شؤون المخيم في وضع أحسن ولاحظ الداخلون والخارجون إليه فروقا في التعامل مع الثوار بالذات عند الحاجز الرئيسي وهو ساحة الريجة .

لم يهنأ النظام بعدما تم طرد واكتشاف أجساده المخترقة للثورة فعبّر عن سخطه وقرر إغلاق المخيم وإطباق الحصار بعدما فقد نواته المهمة في عنق مخيم اليرموك ،ومع بداية شهر أيلول 2013 اختلف شكل الحصار المفروض من شهر كانون الأول 2012 ليصبح قبضة حديدية لا تسمح للذباب بتجاوز الجدران .

شكل الحصار الخانق حالة جوع تتصاعد كل يوم في المخيم حتى بات يقتل الناس وبالفعل أصبحت الأخبار تتحدث عن قتلى الجوع والحصار يوميا بعد أن كانت تتحدث عن قتلى القذائف التي يلقيها النظام .

ورغم الجمعيات والمجالس والهيئات الوطنية التي تعمل بداخل مخيم اليرموك إلا أن الحاجة كانت اكبر من القدرات ، بالذات أن المخيم امتلأ من سكان المناطق الجنوبية على اثر سقوط بعضها بيد النظام ، فلم تزل الأنباء تتوارد عن جفاف فلان وموت علاّن نتيجة لسياسة التجويع الجبان والتي يقال أنها إملاء من طهران .

مع تقدم حالة الموت الرهيب تشكلت ضغوطات على النظام من خلال وسائل الإعلام ، وبدأت أطروحات سابقة تظهر بقوة في المشهد حول إمكانية انجاز هدنة مع النظام .

3- دور الفصائل الفلسطينية وسلطة رام الله ؟

من المعروف بأن الفصائل الفلسطينية المتواجدة بدمشق كانت ولا تزال مأزومة وبيد النظام ، يستخدمها كيفما يشاء ويلقي بها جانبا متى شاء ، ولكنّها بلا شك ليست جميعا سواء فهناك ما هو متداخل منها مع النظام إلى حد التماهي وعلى رأسها القيادة العامة - أحمد جبريل ، وكذلك الصاعقة ، وكذلك جبهة النضال الشعبي الفلسطيني والتي يرأسها خالد عبد المجيد الذي وضعه النظام السوري أمين سر للفصائل الفلسطينية باعتبار ولائه المطلق لها .

وهناك من الفصائل الفلسطينية من يحاول أن يحفظ خصوصيته رغم علاقته مع النظام وأبرز تلك الفصائل هي فتح والجهاد الإسلامي وحركة حماس ، وقد جاءت الثورة السورية لتحدث زلزالا يضرب الأرض أسفل أقدام الجميع ، فاضطرت حماس إلى الابتعاد خطوة للخلف عن النظام بعد وحشيته في مواجهة الشعب السوري وكان الضغط الشعبي والإسلامي واضحا في ضرورة حسم موقف حركةحماس ، كما تضاءلت المسافة بين حركة فتح والنظام السوري بناء على موقف السلطة في رام الله والسيد محمود عباس القائم على التوازنات الدولية وإدراكه لمركزية دور النظام وبشار ، كما اقتربت على استحياء حركة الجهاد الإسلامي في اضطراب واضح بين مبادئها الإسلامية المعلنة وبين شريانها المرتبط مباشرة بطهران .

كما كانت هناك فصائل في منزلة بين المنزلتين السابقتين محاولة خدمة الموضوع الفلسطيني واقفة بالوسط مستفيدة من النظام ومبتعدة في نفس الآن عن التصادم مع الثوار ، وكانت جلّ تلك الفصائل هي الفصائل التي لا تملك رصيدا حقيقيا على الأرض ولا قيمة حقيقية في واقع التدافع السياسي .

حاولت الفصائل الفلسطينية من خلال لقاءات مكوكية لم تتوقف طيلة شهور الأزمة الحاصلة في المخيمات الفلسطينية - وعلى الأخص مخيم اليرموك وفلسطين اللصيقين بدمشق المتداخلين مع مناطق الجنوب المحرر- باتخاذ تدابير لمعالجة الموقف الذي بدأ يتقدم نحو التأزم في كل يوم .

كانت تلك اللقاءات تجري على مستوى الفصائل الفلسطينية في سوريا وبعضها - وربما أهمها - تجري بالشراكة مع سلطة رام الله من خلال وفدها الذي كرر الزيارات لدمشق في إطار السعي لإيجاد حل للفلسطينيين .

ولكن النظام لم يرق له مجددا أن يعطي ويمنح للفصائل الفلسطينية ولسلطة رام الله مساحة حقيقية لرسم واقع المخيمات الفلسطينية وأخذ دور حقيقي فيها ، فكان يفشل المفاوضات ويجهض المبادرات تارة من خلال أطرافه الأصيلة بين الفصائل كالقيادة العامة وتارة من خلال تحجيمه لكامل العمل واللقاءات والمبادرات بإفشاله من الناحية العملية ومنع ترجمة ما يصدر عنه في واقع المخيمات ، وأخيرا من خلال تغيير مفاجئ يحدثه في داخل المخيمات كما حصل في مخيم اليرموك من إعادة الانتشار التي تتحقق تلقائيا كرد فعل على خطوات النظام المدروسة أصلا .

وبالفعل لم يتحقق ما طالب به الجميع ورضخت له فصائل الثوار فانسحبت من مخيم اليرموك لتقليل مساحة الجوع عند عوام الناس ، ولم تدخل بعض كراتين الطعام من مؤسسة الأونروا إلا في حدود ما يجمّل النظام إعلاميا ويحقق بعض خطواته التي لم يغفل عنها كاعتقال عشرات من الشخصيات وزرع الألغام تحت غطاء فرق نزع الألغام في نقاط حيوية تحيط بنقاط حساسة وتضعف تقدم الثوار .

4- ما الذي يريده النظام السوري من المخيم وأهله ؟

برع النظام القومي البعثي برسم صورة المقاوم والممانع وقد استفاد حافظ الأسد من عدة محطات اجتاحت المنطقة في التصادم مع الكيان الصهيوني ، كما استفاد بشار الأسد من احتضان وإبراز الفصائل الفلسطينية - على مقاسه الخاص - كحركتي الجهاد الإسلامي وحماس بالذات بعدما ارتفعت أسهم حماس في المنطقة العربية والإسلامية نتيجة لتبنيها قرار المقاومة والجهاد بعد الانتفاضة الأولى وما تبعه من حالات رائعة في الجهاد والاستشهاد ، كما شكّلت العلاقة العميقة مع حزب الله اللبناني إضافة مهمة في رسم الصورة التي أرادها النظام الممانع .

وللجواب على السؤال المطروح نقول أن النظام يريد من المخيمات ومن الفلسطينيين أن يكونوا جنودا ووقودا في تحقيق تلك الصورة التي يناقضها واقع الحال وحقيقة البنيان ، ولعل الفلسطينيين وبالأخص الفصائل الفلسطينية تدرك بعمق أكثر من السوريين حقيقة ارتباط وارتهان النظام للمنظومة الدولية الظالمة منذ نشأته ، ولكنها المصالح والمنافع المتبادلة التي حلّت لعنتها على الفصائل الفلسطينية فجعلت كثيرا منها خادمة مطواعة للنظام وبعضها سلاح بيد الجزار الجبان .

يريد النظام من الفلسطينيين أن يكونوا جنودا ومرتزقة يحركهم كيفما يشاء ، وهو في هذا الحال يريد منهم أن يهبوا لقتال الثوار ، كما يريد من المخيمات الفلسطينية أن تحافظ على جمال ووفاء ونبل صورة المقاومين والممانعين من أزلام النظام ، كما يريد منها أن تكون جدارا في وجه كتائب الثوار .

لم يتحقق ما يريده النظام ببساطة لأن ما يطلبه من المخيمات الفلسطينية والفلسطينيين هو ذات ما يطلبه من السوريين والمدن السورية ، ولأن الثاني لم يتحقق فقد كان من الطبيعي عدم تحقق الأول ، وهو ما جعل النظام ينتقم من الاثنين .

لكن النظام وبوقاحته لا يزال يستخدم ماكينته الإعلامية وبعض الشخصيات المرتزقة ليجلو صورته مستفيدا من حالات جزئية في فك الحصار ، وكما فعلها بحمص المحاصرة أنجز دونها في مخيم اليرموك الدمشقي .



5- ما هو الحقيقي وما هو الموهوم حول موضوع مخيم اليرموك ؟

عندما أرسل النظام عبر فصيل القيادة العامة بعض شباب مخيم اليرموك وفلسطين إلى الجولان في يوم الأرض توهّم البعض أنها خطوة في تقديم المقاومة ، والحقيقة أنها كانت خلطا للأوراق وبعثرة للطاقات الفلسطينية .

عندما اقتحمت الكتائب الثورية مخيم اليرموك لتطهيره من رجس عصابات الأسد والقيادة العامة - أحمد جبريل توهّم البعض أنه انجاز في صالح الثورة، ولكن الحقيقة أن النظام نجح في سرقة رئة هامة لكامل المناطق الجنوبية ، ولو كان الاقتحام صوابا في مسيرة الثورة لكان لزاما أن يفضي إلى الوصول واختراق كل المناطق اللصيقة الدمشقية .

عندما تمترست بعض الكتائب الهمجية عند عنق المخيم وبالتحديد ساحة الريجة توهّم البعض أنها عين الثورة على الدخلاء والمنافقين لتقتص منهم بيد حديدية ، ولكن الحقيقة أنها - ممن تم اكتشاف ارتباطهم بالنظام والأجهزة الأمنية وبعضهم قتل والآخر فرّ إلى حضن النظام - أخذت مواقعها لترصد ما يريده النظام من الداخل بعين سحرية .

عندما اجتمعت مرارا الفصائل الفلسطينية توهّم البعض أنها قادرة على انجاز حلّ بعصاها السحرية ، والحقيقة أن نظام القهر والاستبداد لن يسمح لها بحال من الأحوال أن تكون إلا مخصيّة .

عندما انسحبت الكتائب لتوجد مساحة هدنة حقيقة تفسح المجال للناس بالعيش بظروف عادية ، توهم البعض أن النظام مستعد لوضع عصاه الغليظة والكف عن جلد المخيمات الفلسطينية ، والحقيقة أنه استمرأ معاقبتها واعتقال أهلها منذ زمن بعيد قبل التحولات الثورية ، فكيف سيرضى عنها ويتوقف عن إيذائها بعد أن تلونت بالصبغة الثورية .

عندما اجتمعت الفصائل أل 14 لتعقد وتبرم حلاّ بعد الهدنة مع الكتائب وانسحابها من المخيم إلى الخطوط الخلفية ، توهّم البعض أن الفصائل ستشكل حالة الفسيفساء الفلسطينية ، والحقيقة أن النظام لن يقبل إلا أن تتصدر أزلامه كل مبادرة وتكون هي المقررة وفي الصفوف القيادية .

عندما فشلت الهدنة وعادت لاجتياح مخيم اليرموك جبهة النصرة توهّم البعض أن النظام خسر ما أنجز سابقا من هدنة عملية ، والحقيقة أن الهدوء ليس في صالح النظام وهو من يسعى لخلق الظروف والشروط الموضوعية التي ستفضي تلقائيا لتخريب أي هدنة من الناحية العملية .

إن مسار الأحداث ونتائج الأفعال يشير إلى حقيقة وليس وهما مفادها أن النظام من أوجد الظروف بشكل مباشر وغير مباشر لاقتحام مخيم اليرموك وفلسطين ، وأن هذا الاقتحام كان خسارة عظيمة للحالة الثورية في المناطق الجنوبية بل وأسهم عمليا في حماية النظام بدمشق بجدار فاصل منيع لم تقدر كل الكتائب على كسره واختراقه ولو في مجازفة حالمة لتجاوز حصونه التي رسم نقاطها وحقق نضجها بعد معادلة إفراغ المخيم من سكانه وطاقاته العملية والعلمية .

ومن الناحية السياسية استفاد النظام بإرهاب جميع الحركات الفلسطينية بعد معارك المخيمات ونشوء التشكيلات الفلسطينية فقلّص دائرة الإبداع حتى الموت عند الجموع الفلسطينية ، واستفاد دوما من الناحية الإعلامية حتى بعد الضغوط الدولية لتخفيف الحصار وإدخال الطعام ، حيث أدخل جزءا يسيرا من الكراتين وصورها على الإعلام وسلمها للبعض واختطف غدرا و بغتة -أثناء تسليمها - البعض ليموتوا في سجونه العسكرية ، وعندما انتهت عملية التصوير بصق النظام على الجميع وأرسل بعض كراتين الغذاء الثقيلة مستهزئا بالناس - التي تعاون البعض بنقلها فرحا بمخزونها الكبير من الطعام - فإذا بها تفاجئ بخيبة عظيمة بعد ابتهاج كبير عندما اكتشفت أنها أكوام حجارة وليست طعام .

6- إلى أين يتجه مستقبل مخيم اليرموك وأهله وباقي المخيمات الفلسطينية ؟

لا شك بأن للمخيم خصوصية لاعتبارات عدة ، ولكن من الوهم تصور حل للمخيم وأهله يمكن أن يصاغ بعيدا عمّا يجري في سوريا من الناحية السياسية والعسكرية ، بل هناك ارتباط كامل وعميق لأي صورة ستنتهي إليها المخيمات الفلسطينية وبين نهايات الأوضاع في سورية .

بناء على هذا لا يستطيع أي شخص تكهن ما ستنتهي إليه أحوال مخيم اليرموك وباقي المخيمات الفلسطينية بسبب غياب تصور دقيق لمسار الثورة السورية وما ستنتهي إليه الأوضاع في سورية .

لكن أيضا يمكن رسم خارطة تحوي أكثر من شكل وفرضية ، وتصور راجح ستنتهي إليه أحوال المخيمات وساكنيها ، فإذا انتهت المعركة السورية لصالح الثوّار أو قل في غير صالح النظام فهي أفضل الفرضيات التي يمكن أن تتبلور عن صورة المخيمات واللاجئين الفلسطينيين في سورية ، بالذات أن الجو الغالب بين الفلسطينيين يميل إلى كفة الثوار وجزء فاعل منه يساند الثوار بل أن جزءا فاعلا من حركاته الإسلامية الثورية يحوي كثير من الأفراد والشخصيات الفلسطينية ، كما أن النسيج الفلسطيني سنيّ العقيدة وشافعي المذهب في عمومه وهو ما يجعل التقاطع كبير في صالح الحالة الثورية السورية التي ولد فيها الإسلام السياسي ولن يوأد بعد اليوم بإذن الله ، كما ستشهد الأحزاب والحركات الفلسطينية مساحة لم ترها بسبب طبيعة وميل وعقل الشعب السوري وإيمانه العقائدي العميق بقضية القدس وعدالة القضية الفلسطينية، بعيدا عمّا هو معروف من ارتهان وإخضاع تلك الحركات لنظام القهر والاستبداد.

أما إن انتهت الحالة الثورية إلى تسوية سياسية بين النظام وبين جزء من الحالة الثورية فسوف تكون المخيمات الفلسطينية مساحة تجاذب بين الفريقين بكل ما فيها من تدافع سياسي سيئ لا يرعى أصلا للقضية بل ربما الأرجح أنها ستمارس ترغيبا وترهيبا لكسب ولاءات رخيصة سياسية بين فريقين لا يعنيهما إلا مزيد من كسب قطعان خلف أحزابهما السياسية .

وأما إن ابتدأت مرحلة تقسيم سورية - لا قدر الله - فستكون الغالبية الفلسطينية مع الحالة السنية ، بغض النظر من سيقف من الأحزاب والحركات مع الأطراف القومية أو الطائفية، ولذلك ستنصهر من جديد الكينونة والمخيمات الفلسطينية في حاضنتها السنية السورية لتأخذ دورها بشكل ربما يفوق ويتميز عن كثير من العرقيات في سورية .

وأما إن بقي النظام - لا قدر الله - فهي أسوأ حالات القهر والإذلال وكارثة سيعيشها الفلسطينيون والمخيمات الفلسطينية ، حيث ستتحول المخيمات إلى كانتونات مغلقة وتعاد صياغة المخيمات إلى حالة استنساخ للحالة اللبنانية ، ويستشري مفهوم الإرهاب والتجريم في الإعلام حولها ليبيع ويشتري النظام بالورقة‬



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق